استعارة من منعم الفقير:

أسدلتُ الستارة
أحكمتُ
إغلاق النافذة
أشعلتُ
شمعة
أعددت الطاولة
مرحبا
وداعيا إلى الحديث
نفسي

الاثنين، 28 يوليو 2008

قصة تناولها د. محمد عبد المطلب في كتابه بلاغة السرد النسوي

بيضة الديك
إن النساء أمثالك تعشقن الرجال أمثال بُرَعي أو أقوم قليلاً، لأن عواطفهن يعوزها كيان مضاد يتسع لها....أو تنفر منه....إليه. وهذا الكيان الوحيد ـ بطبيعة الحال ـ هو ما منحك إياه النصيب. برعي الذي جعل من عقله وأذنيه دلاء تضخ فيها أمه وأخواته البنات عصارة كيدهن. أجسادهن ثقيلة، عيونهن بنادق وحديثهن معجونٌ بالأسمنت.
برعي آثمٌ قلبه. يعلم جيدًا أن حيواناته المنوية هي التي تضن عليه بالولد؛ ومع ذلك يريده. يريد الولد!
أين هو الآن، وأنت تنوئين بتسعة أشهر حمل على سرير متسخ الملاءة في غرفة الطبيب الوحيدة هنا؟
تطردين تحفز روحية، الأخت الكبرى لبرعي، الموجه للجزء المنتفخ من بطنك وبناتك الخمس الباكيات لتحدقي في سقف الغرفة تحاولين تبين وجه الله....
ـ يا رب امنحه الصبي.
الصبي الذي قد ينور حياتك، حياتك؟! ملك المتسامرين على المصاطب تتلون برضاه وتكفهر بغيظهم..
تلصقك الانقباضات بعظم السرير؛ وتعصر غددك الدمعية. ثمة ألف قسوة في لحظة الخلوة هذه. تعضين شفتك السفلى وتتقافز الصور الرمادية أمام عينيك:
روحية تفتح ذراعيها فتحة تناسب مقاس جسدك المتشقق وتجعلك ترتمين في تفاصيل جسده وطرقعة نفاق قبلاتها في الفراغ بجانب خديك. برعي يهجرك في الفراش شهرين بعد الفتاة الخامسة. ثم روحية تقول:
ـ عاقر من لم تنجب الرجال..ديك في حظيرتنا الكبيرة!!
تقذفين بصرخةٍ ترج عراء الروح...
ـ ماذا لو لم يأت الولد؟
تموتين بالسكتة القلبية قبل أن يرميك برعي بثلاث طلقات بائنات نافذات؟! ينغرس في لحمك رصاص شماتة روحية وأخواتها؟ ماذا لو لم يأت الولد؟ أستنطفئ جذوة العيش، وينغلق دفتر عشقك لـ"برعي" الذي يقتات من طاقتك؟! هل كنت تضحكين حينها حقًا؟!
ـ يا رب امنحه الصبي هذه المرة.
ماذا تفعلين والبوح انهزام والذات أطلال وعناكب والمسافات بلاد الله خلق الله؟!
تصرخين صرخة كأنها مكابدة التكوين الأول. الغضب الراسخ في أعماقك يستنسخ من صرختك الأولى انفجارات عديدة...
يدفع الطبيب باب الحجرة أمامه وقد جاشت مراجله. يقذف في وجهك كلمات لا تحددين ملامحها. ويرفض تخديرك كليًا..
قبيلة تترية من الانقباضات طويلة ومتقاربة تنهش الجزء السفلي من ظهرك...تزحف إلى الأمام. إلى الأمام كالصراخ الذي كاد أن يثقب طبلة أذنيه. يصفعك بكف من الغيظ. تفقد الدموع حنجرتها. تشعرين بأن ما يسمى كرامتك يفترش الطريق الزراعي. يتبخر تشنج عضلاتك أمام ثورته، فيشكل الجسد النيئ مدفعًا يقذف هذا الذي يتمناه الجميع ذكرًا. ينبثق كبد بكر من ألمك...شعره كؤوس الذهب وعيناه في نقاء نيل لا تبخ فيه المصانع روثها، جلده يكشف كل أسرار دمه..
وأخيرًا تنهيدة منك مرتاحة ووردية تعلق بين الروح والجسد!
يتلقفونني بالبسملة ولزوجة القبل، يفعصونني بمحبة بدائية تجعل من ساعة الميلاد الأولى عذابًا صغيرًا.
حين وضعوني في التجويف بين ذراعيك وجانب صدرك الأيمن، رأوا فناجين الدم الزاحف على الملاءة.
ليتك تصرخين الآن، يا أمي!


ليست هناك تعليقات:

قصة أذيعت في البي بي سي لندن منذ سنوات بعنوان تيك تاك

تيك تاك’ أخافك وأطلب منك أن تعاهدني على ألا تشتري بحبي ثمنًا قليلا. تركب الدهشة ملامحك، وتقول: ’آثمٌ من يهجر الماء والخضرة والوجه الحسن.‘ تروي نبتة غروري، فأقول: ’بل الماء والطين والعقل الحسن‘. تضحك كثيرًا، وتضع كفك على كفي التي توسدت الأرض... ريفنا مغبرٌ وقاسٍ؛ لكنه مثير. الشجرات الباسقات الخضر غامقات الاخضرار تنبئني بأسماء هؤلاء الذين جلسوا قبلنا في هذا المكان. ربما كان الوحيد الذي ما زال محتفظًا بشئٍ من ملامح خميرته الأولى، فهذه القرية باستثنائه أضحت شيئًا بهتت ملامح ميلاده، فلا هي من تجليات حسن فتحي، ولا هي مدينة المال والأزرار، ولا هي قريتنا التي هجرناها بما كان فيها: أكوام الطين المتجاورة التي تناثرت في شبابيكها الصغيرة أو لم تتناثر مصابيح الزيت، واحتضنتها الصحراوات الخضراء وكثير من الحنان. إننا قاهريان مقهوران حقًا. نبدو بما نرتديه من جينز وقميصين بلون الفلوروسين كصاروخين في سماء جدارية في أحد معابد الفراعنة. أشعر فجأة بضعطات رقيقة على بطن كفي تأتي من أسفل! تلطمني الدهشة. أحرك كفي تحت ثقل كفك. تسحبها وأنت غاضبٌ كطفل. أعود فأضعها تحت كفي على أرض الحقل، وأسالك: ’هل تشعر بما أشعر به؟‘ تتهمني بالجنون، وتصيح فيّ: ’إنه غالبًا نبض إبهامي الذي أزحته توًا بعيدًا عن كفك!‘ أنفي ذلك بشدة، فيصبح غضبك كرتاج بابٍ من الصلب يستعصي عليّ فتحه. تهب وواقفًا، ’هيا بنا‘. أمعن في ضغط كفي على كتل الطين البُنِّية. أشعر بومضات منتظمة، متتابعة ترتد على بطن كفي. أدعوك للتجربة. تقول: ’أُف!‘ وتستدير عائدًا. أركع على الأرض. ألصق أذني بكتلة طين كبيرة. يغزو الإيقاع المنتظم أذني تك تك تيك تاك...تيك تاك..تيك تاك!